فيلم الناظر هو الضربة الأهم في تاريخ كوميديا 2000، لكن البداية كانت من قبل الألفية بثلاثة أعوام، تحديداً مع فيلم إسماعيلية رايح جاي عام 1997، انطلاق شكل كوميدي جديد مختلف، رجوع الجمهور للسينما، خاصة الجو العائلي، أتذكر أنه أول فيلم أشاهده في السينما وأنا طفل، وبالطبع كنت بصحبة العائلة، أخرج الفيلم كريم ضياء الدين، ربما هو الفيلم الوحيد الذي حقق نجاحاً وشهرة في مسيرته الإخراجية.
ما بعد ضربة البداية
يستغل المخرج سعيد حامد نجاح فوازير أبيض وأسود الجزء الأول والثاني، ليقدم محمد هنيدي في فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية، تأليف مدحت العدل، فيلم الاكتشافات والإيرادات، نجاح مذهل لإسماعيليه رايح جاي، والذي حقق إيرادات تقدر بأكثر من 13 مليون جنيه في وقت كان ذلك الرقم خارج الحسابات، فتشجع صانعو صعيدي في الجامعة الأمريكية للمغامرة بكل هذا الشباب، يعتبر الفيلم هو مفجر السينما الشبابية من وقتها حتى الآن، ليحقق إيرادات تصل إلى 27 مليون جنيه.
انقلب السحر على الساحر، هكذا تسير الحياة، من جيل إلى جيل، من الأساتذة إلى الشباب، تستمر أفلام عادل إمام في عدم تحقيق النجاح المطلوب أمام الهجوم الكاسح من شباب أصبحوا نجوم الصف الأول، شباب معظمهم صعد وظهر في أفلام عادل إمام، من رسالة إلى الوالي عام 1998، إلى الواد محروس بتاع الوزير عام 1999، لم يستطع عادل إمام ورفيقه يوسف معاطي، الصمود أمام الموجة القادمة.
داخل الموجة يستثمر مدحت العدل وسعيد حامد نجاح صعيدي، ليقدموا فيلمهم الثاني همام في أمستردام عام 1999، أصبح هنيدي البطل الكوميديا الأول في مصر وحقق الفيلم نجاحا ساحقًا، استثمار ناجح وموفق من الثنائي العدل وحامد.
يؤكد شريف عرفة على تقديم أفلام خفيفة عائلية كوميدية، بعد عدة سنوات قدم فيها أهم أفلام التسعينيات مع عادل أمام: الإرهاب والكباب، طيور الظلام، المنسي، اللعب مع الكبار، النوم في العسل، ليقدم عام 1998 اضحك الصورة تطلع حلوة، ثم يودع وحيد حامد أيضا، بخبرة عرفة علم أنه حان وقت التغير، السينما المصرية في مفترق طرق، فقدم عرفة أول أفلام السيناريست والمؤلف أحمد عبد الله والممثل علاء ولي الدين في فيلم عبود على الحدود، ليجلس الصديقان والرفيقان على عرش الكوميديا المصرية مع دخول الألفية.
2000 بين سقوط ونجاح
مع دخول عام الألفية الجديدة، وانتعاش صناعة السينما بهذه الطريقة، كان لابد من استغلال هذا النجاح، ليقدم هنيدي فيلمه الثالث بلية ودماغه العالية، لم يوفق العدل وهنيدي في الفيلم، ظهر أقل مما سبقه، هنيدي قرر فيه أن يتخلى عن أهم أسباب نجاح الأفلام السابقة، تعدد الأبطال حتى لو كان الفيلم رسمياً بطولة هنيدي، فخسر هنيدي الرهان، وكان الفيلم من إخراج نادر جلال، كما خسر نادر مع الأستاذ عادل إمام في الجزء الثالث والأخير من بخيت وعديله تحت اسم هالوا أمريكا، ولم يحالف الحظ أحمد آدم في فيلمه شجيع السيما، هكذا سقط الأستاذ وتلاميذه في بداية الألفية.
العدل وحامد، الثنائي الناجح يقدم تجربه الثلاثة في هذا الشكل الجديد من الأفلام، لكن مع أحمد السقا، البطل الرئيسي بجانب آخرين، الأكشن الخفيف والأحداث السريعة، مع الاستمرار على تقديم فكرة هادفة من خلال الفيلم، حقق الفيلم نجاحاً قوياً، وضع أحمد السقا قدمه وسط نجوم الصف الأول من الشباب، كما نجح المخرج محمد أمين في تقديم فيلم ثقافي، ربما لم ينل النجاح الكامل وقتها، ولكنه حمل فكرة وتجربة جديدة وقدمت بشكل غير مسف.
الناظر صلاح الدين يكسب
كل ما سبق ما كان إلا مدخلاً لهذا العمل المتكامل، لهذه القطعة الفنية من الكوميديا الجميلة غير المملة، فيلم بطعم أفلام إسماعيل ياسين، من صنعوا فيلماً بقوة وجمال عبود على الحدود، قادرين على تقديم تحفة فنية كفيلم الناظر -الناظر صلاح الدين سابقاً-، فقد رفضت الرقابة الاسم ليصبح الناظر فقط، بعيداً عن وجهة نظر ضيقة الأفق للرقابة، ولكن اسم الناظر أجمل، فيلم يستحق اسماً من كلمة واحدة.
بعد نجاح عبود على الحدود، قرر الثلاثي نفسه: عرفة وأحمد عبد الله وعلاء ولي الدين، تقديم عمل يوضع في تاريخ السينما الكوميدية في مصر، ليجعل من علاء واحداً من أهم ممثلي الكوميديا في تاريخ السينما المصرية رغم رحيله مبكراً.
كما قدم هنيدي والعدل وحامد عدة أبطال في أفلامهم، قدم شريف عرفة هنا أهم أبطال للسينما في السنوات القادمة، أحمد حلمي في دور عاطف، محمد سعد في دور اللمبي، يدين محمد سعد بكل تاريخه الفني لعرفة وعبد الله، ولفيلم الناظر بالطبع.
الناظر هو أول الأفلام في الموجة الجديدة، يستخدم مقدمة طويلة ومكلفة مثل ذلك، عصور مختلفة، أزياء خاصة، كوميديا جميلة، كل مشهد يحمل كمية من الأفيهات التي لا تنسى، الصالحة لكل المواقف، من البداية يؤكد صناع الفيلم أنك أمام فيلم كوميدي، كوميديا خالصة لوجه الضحك والمتعة.
علاء ولي الدين يعلن عن قدراته الفينة، ثلاث أشخاص في المقدمة فقط، ثم ثلاث في باقي الفيلم، الأب والأم والابن، عرفة لا يقع في فخ هنيدي من البطولة المطلقة في بلية، قدم بطولة جماعية بداية من حلمي وسعد، مروراً بعلاء وشخصياته الثلاث، نهاية بالعمالقة من محمد يوسف صاحب شخصية المعلم شكل في ساعة لقلبك، والد عاطف، وحسن حسني، والبداية الجديدة وانطلاق كأحسن بطل مساعد لأهم أفلام الكوميديا حتى الآن، حسن حسني يملك من المهارة وخفة الظل والموهبة ليصنع مساحة مع البطل من الكوميديا الخالصة، يلعب بينج بونج مع الممثل، يفتح له المجال ويفرش له مساحة من الأيفيهات التي تبقى في ذاكرة المشاهد، ولا ننسى سامي سرحان.
طوال الفيلم لا تشعر أن شخصية علاء يؤدي دور عاشور الأب، وجواهر الأم، شخصية الأم والمساحة الأكبر والتمكن الكامل من تقليد ومحاكاة الست، يحكي شريف عرفة أنه عقد جلسات كثيرة مع علاء للوصول إلى الشكل النهائي لجواهر، صنع علاء شخصية كاملة متكاملة، تشاهد ممثلة تقوم بدور جواهر، تأثر علاء بالطبع بأمه وخالته في الشكل العام والإطار الخارجي لجواهر. كانت المشاهد التي تجمع الشخصيات التي يؤديها علاء من أصعب المشاهد، صعوبة خروج الكوميديا بين الشخصيات الثلاث بهذه الدرجة من الصدق والخفة.
الأدوار الثانوية مكملة للفيلم وعلى المستوى التمثيلي نفسه لنجوم الصف الأول، يوسف عيد وشخصية زكريا الدرديري، وميس انشراح، واكتشاف حنان الطويل، وسليمان عيد، وحجاج عبد العظيم، واكتشاف حسين أبو حجاج في دور ميخا.
فيلم الناظر لا يحمل نصيحة أو رسالة واضحة، ربما كان ذلك من أهم أسباب نجاحه، فيلم تشاهده في أي وقت، لا يوجد مشهد يخرجك من مود الضحك، أو مشهد جاد بشكل درامي إلا القليل، ولا يستطيع علاء إكماله دون إطلاق أفيه، من شخصية صلاح أو عاشور أو جواهر أو جميعهم، مثل مشهد موت الأب عاشور، إيقاع الفيلم متماسك، لا يوجد مشهد خارج السياق، لا أغاني في وسط الفيلم، يحكي شريف عرفة أنه حذف ما يقارب من 45 دقيقة من فيلم الناظر في المونتاج حتى لا يخل بالإيقاع العام للفيلم.
فيلم للضحك والمتعة، فيلم تستخدم أغلب مشاهده يومياً في شكل كوميكس، وأغلبها صالحة ومقنعة ومضحكة، حقق الفيلم إيرادات تصل إلى 11 مليون جنيه. ربما حلت لعنة العمل الثالث على فيلم ابن عز ولم ينجح بالشكل المطلوب كما أصابت هنيدي في فيلم بليه من قبل، ظل فيلم الناظر من أهم الأفلام الألفية التي قدمت الموجة الكوميدية الجديدة والشابة بعيداً عن فكرة البطولة المطلقة أو الأفلام التي تحمل رسالة أو نصيحة.
نشر في موقع كسرة 2015