شريف حسن
“الدنيا دي بهجة وفانية والعمر دقيقة وثانية، ياله نشرب شمبانيا” هكذا غنى كارم محمود من خيال وكلمات بيرم التونسي منذ حوالي 70 عام، يمكنا اعتبار هذه الجملة ملخص لأحد فلسفات الحياة، ويمكن تبسيطها عن طريق يحيى الفخراني والمؤلف محمود أبو زيد، والجملة الشهيرة في فيلم الكيف، “أنا جاي أهرج”، هنا تكمن الحياة، البهجة، لا مكان لشيء أخر، فالحياة بها ما يكفي من كل المنغصات والصعوبات والآلام والحزن والوحدة.. إلى ما لا نهاية.
لكن قليل من الناس من يعتنقون هذه الفلسفة؛ أن تحيا لأجل السعادة، تفعل ما تحب، أو بالأدق لا تفعل ما تكره، وقليل منهم من يمتلكون المقومات الأساسية لفعل ذلك، وعلى رأسها توافر المال، أطلق على هذه الفلسفة اسم “حسين الأمام”، الفنان الذي عاش لجل أن يبتهج، ولا يضيع عمره في الأزمات، يمكن أن نشاهد حسين الإمام وهو يتحدث عن هذه الفلسفة بكل بساطة، قبل أيام من رحيله.
في أوقات كثيرة عندما تتذكر شخصًا ما، تتذكر معه شخص أخر، ربما في الظاهر لا ارتباط بينهم، لكنه ارتباط في العقل الباطن، لذلك كل ما أتذكر حسين الأمام، أتذكر عزت أبو عوف، والعكس صحيح. لا تعرف أن تصنف حسين الإمام، هل هو موسيقي؟ مغني؟ ملحن؟ ممثل؟ مؤلف موسيقى تصورية؟ مذيع؟، ونفس الأمر عند تصنيف عزت أبو عوف، فالأثنان يفعلان ما يحبان، الهواية والحب هي المحرك الأساسي لحياتهم، وإنجازاتهم.
الموسيقي عزت أبو عوف
ولد عزت وعاش داخل بيت موسيقى، والده هو الموسيقار أحمد شفيق أبو عوف عميد معهد الموسيقى العربية، وقد تعلم عزت وأخوته في معهد الكونسرفاتوار منذ الطفولة، رغم ذلك كانت فكرة العمل في مجال الموسيقى واحترافها من المحرمات بناء على تعليمات والده ضابط الجيش المصري وأحد أفراد الضباط الأحرار، ولكن عزت خالف الأوامر، وكان واحد من الأعضاء المؤسسين لفرقة ” Les Petits Chats”، بصحبة وجدي فرانسيس، وعمر خيرت، وعمر خورشيد، وغيرهم، وتحقيق نجاح مذهل في وقت قصير، والانتشار داخل مصر، وعمل أيضًا مع فرقة ” The Black Coats”، وكان مؤسسها هو إسماعيل الحكيم ابن الأديب توفيق الحكيم، كل ذلك يحدث حبًا في الموسيقى وأجوائها، ورغم ذلك يدرس عزت الطب.
الدكتور عزت أبو عوف
درس عزت الطب، وتخرج متخصصًا في طب النساء والتوليد، وعمل بالمجال لمدة خمس سنوات، بجانب العمل الموسيقي، يمارس الطب كأنها هواية، حتى إنه كان يصنع سجل شخصي لكل سيدة تتابع معه، ومن ضمن البيانات المكتوبة في كل سجل، هي نوع الموسيقى المفضلة، ليقوم بتشغيلها وقت الولادة، ولم يكتف بذلك، بل كان قد بدأ في زمالة الجراحين البريطانية، عن تأثير الموسيقى على عملية الولادة، فالموسيقى معه في كل مكان.
الفور أم.. ومواجهة الأب والمجتمع
يترك الطب، هكذا بكل سهولة، أصحاب فلسفة حسين الأمام، ينتقلون من مهنة إلى الأخرى، بحثًا عن البهجة والسعادة، ويقرر عزت أن يقف هو وأخوته البنات أمام الجميع، كفرقة موسيقية بقيادته، تحت اسم الفور أم، تقدم أغاني جديدة، وتعيد توزيع أشهر الأغاني القديمة، ينجح في إقناع الأب بعد مشاجرات عديدة، لتستمر فرقة لمدة 12 عام، 12 عام من البهجة والجمال والإبداع، 12 عام يعتبرهم عزت إنهم أحلى 12 عام في حياته.
الموسيقى جميلة.. ولكنها تخون أيضًا: الاكتئاب
عزت شخص يحب الحياة، رغم كل ما بها، وفي نفس الوقت، لكل شخص فترة سقوط، وتخبط وإحباط، بعد حل فرقة الفورم أم، والفشل الموجع في تكوين فرقة جديدة، شعر عزت إن الموسيقى خانته، قدم لها كل ما يملك من وقت ومجهود لكنه لم يحصد شيء، نظرة وقتية وضبابية، قرر إن يكون “السندباد البحري”، يعيش لمدة ثلاث سنوات في مركبه الخاص مع زوجته في الغردقة، ولا يغادرها ألا للاطمئنان على أولاده.
المهنة الجديدة “آيس كريم في جليم”
في صدفة غريبة تجمع خيري بشارة وعزت في مكان عام، طلب بشارة من عزت أن يمثل معه في فيلمه الجديد، وبعد إصرار من خيري، قدم عزت دور من أحلى أدواره في السينما، لا أحد ينسى شخصية أدهم في ذلك الفيلم، مثل لا أحد ينسى شخصية زيكو (حسين الإمام) في نفس الفيلم، رغم اختلاف الشخصيتين، إلا إن الجامع بينهم هو حب الحياة وإن اختلف الطريق، ليكون ذلك أول دور يقدمه عزت في السينما، ليصبح من وقتها الممثل عزت أبو عوف.
ليقدم بعدها دور في مسلسل العائلة مع وحيد حامد ومحمود مرسي وعبد المنعم مدبولي، ويلاقي نجاح باهر، وتتوالى الأعمال والنجاحات في مجال التمثيل، بين سينما وتلفزيون ومسرح أيضًا، وجد عزت نفسه في التمثيل، قدم عدة أفلام مهمة ومسلسلات أصبحت علامات في تاريخ المسلسلات المصرية، وكان له نصيب في موجة أفلام الشباب منذ بدايتها في فيلم “إسماعلية رايح جاي”، والذي قام فيه بدوره الحقيقي، وقصة اكتشافه للمطرب محمد فؤاد، ثم عبود على الحدود، وكان قبلها قدم مع عادل إمام بخيت وعديلة وطيور الظلام، ومع أحمد زكي قدم حسن اللول وأرض الخوف، تاريخ طويل من الأفلام والمسلسلات من بداية التسعينات حتى الآن.
أعمال أخرى (منتج ـــ موسيقى تصويرية ـــ مذيع ـــ موظف)
لعزت أعمال أخرى على مدار تاريخه الموسيقي والفني، فقد أنتج مسرحيات في وقت الفورم أم ولكنه فشل كمنتج، وعمل مذيع لفترة، مع عمر أديب في برنامج هنا القاهرة، وقدم قبله برنامج مسابقات “هرم الأحلام” على التلفزيون المصري، وقام برئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لمدة ٦ سنوات.
لا أحد ينسى مسلسل “حكايات ميزو”، بطولة سمير غانم وإسعاد يونس، وتأليف لينين الرملي، وإخراج محمد أباظة، كانت موسيقى التتر والموسيقى التصويرية للمسلسل من تأليف عزت، وقدم أيضًا عدة أعمال موسيقية مثل مسرحية “الدخول بالملابس الرسمية” مع سهير البابلي وأبو بكر عزت، وغيرها من الأعمال الموسيقية.
في النهاية تجد عزت غير مبالي بكل ذلك، يترك الطب من أجل الموسيقى ويترك الموسيقى وتتركه هي أيضًا، يجلس على مركبته غير مكترث بكل ما يحدث في العالم، يعمل بالتمثيل عن طريق الصدفة، ويستمر بها، يعمل أدوار قيمة، وثم يليها بأدوار ضعيفة وعمل فني ضعيف المستوى، لا يهتم، فالتمثيل بالنسبة له كباقي الأشياء، هواية، لا يخجل من إن يصرح بأنه يعمل أوقات من أجل المال كفيلم “أيظن”، أو كجلوسه بجوار عمرو أديب في برنامج القاهرة اليوم، ولكنه يفعل كل ذلك بحب وشغف، لا يكترث بشكله، يرتدي الباروكة مرة ويخلعها مرة ثانية، فهو غير مبالي بالجمهور أيضًا.
ستجد التشابه الكبير بين حسين الإمام وعزت أبو عوف، والتشابه الأكبر هو حب البهجة والسعادة، والبعد عن إي شيء آخر، غير مكترثان بالمستقبل أو بمشاكل الحياة اليومية ولا بالسياسة، لتشعر إن حسين الإمام يغني من العالم الآخر “الدنيا دي بهجة وفانية والعمر دقيقة وثانية، ياله نشرب شمبانيا” ليجاوبه عزت من عالمنا ” إحنا جايين نهرج أصلًا”.
نشر في موقع في الفن عام 2015