سعاد حسني شاركت بفليم صغيرة على الحب في الدعاية للتلفزيون المصري، مع بداية الستينات افتتح التلفزيون المصري، وبدأ البث الفعلي، كما تم تأميم السينما المصرية عن طريق إنشاء المؤسسة العامة للسينما لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة، وبدأت روايات نجيب محفوظ تدخل إلى عالم السينما مع فيلم “بداية ونهاية” (١٩٦٠)، إخراج صلاح أبو سيف، وقلت عدد الأفلام في السنة من ٦٠ فيلما إلى ٤٠ فيلما، وقلت دور العرض، وانتباه قطاع السينما لوجود منافس جديد يسمى “التلفزيون”.
وسط كل هذه التغيرات، وفي منتصف الستينات وبالتحديد يوم ٥ يناير ١٩٦٦ كان العرض الأول لفيلم “صغيرة على الحب”، بطولة سعاد حسني ورشدي أباظة، وإخراج نيازي مصطفى، الذي قدم مع سعاد في نفس السنة فيلم “فارس بني حمدان”، و”حناب السفير”.
الفيلم مأخوذ عن مسرحية من تأليف ادلز جونسون، وكتب السيناريو عبد الحي أديب بمشاركة المخرج نيازي مصطفى، وكتب الحوار أبو السعود الإبياري؛ الذي انتهى منه في ١٠ أيام فقط وهو على سرير المستشفى في الإسكندري
سعاد حسني، مازالت في بدايتها الفنية، عمرها ٢٣ عاما، بدأت مع نهاية الخمسينات في فيلم “حسن ونعمية”، وبخلاف “صغيرة على الحب”، قدمت سعاد في نفس العام ٦ أفلام، مع هنري بركات وحسام الدين مصفطي وحسن الصيفي وصلاح أبو سيف، ولكن مع “صغيرة على الحب”، كان الدور مركبا واستعراضيا من الدرجة الأولى، مساحة جديدة على سعاد، وإنطلاقة مدروسة، حتى إنها لم تجر وراء الغناء أو التعامل إنها مطربة، كان كل تركيزها منصبا على التمثيل، وبداية مرحلة جديدة من التمثيل واختيار الأدوار.
الفيلم، بسيط وسط كل أفلام الستينات ومناقشة الأوضاع السياسية والفساد، فيلم بنكهة الاستمتاع، يقدم فكرة كوميدية وعاطفية، الكل شاهد الفيلم ولو مرة واحدة، فبعيد عن قصة الفيلم، شمل الفيلم على ٣ أغاني واستعراض، سنخوض فيهم وفي تفاصيلهم.
كانت أغنية التتر بمثابة إهداء إلى التلفزيون المصري، كتب كلماتها عبد العزيز سلام، وفي اختلاف على ملحنها، بين عبد العظيم عبد الحق الذي جاء اسمه على تتر الفيلم، أو عبد العظيم محمد وإنه حدث خطأ في كتابة التتر، وهو الرأي الأرجح والأكثر انتشارًا، وغنى الأغنية فرقة الثلاثي المرح والتي كانت تتكون من ثلاث نساء هن “وفاء مصطفى، وصفاء لطفي، وثناء الباروني” بمشاركة ثلاثي النغم، وهي فرقة تتكون من ٣ رجال من مطربي المجموعة، الكورال الشهير الذي اشترك في أغاني كثيرة، تغير ثلاثي النغم أكثر من مرة ومن المطربين الذين شاركوا فيه كانوا “عزت الشنتولي، ومحي الدين الخضري، وعبد الفتاح عبد العزيز، ومحمد سرور، ومحمد نصار، وجمال الدين محمد”.
فكانت الأغنية مبارزة فنية بين الفرقتين، لم تكن الوحيدة التي تشارك فيها الفرقتين، فقد شاركوا في الكثير من الأغاني؛ مثل “أحلام الحب”، و”اطوي الأيام”، “الأمل والعمل”، وكان من أشهرهم أغنية “هنا مقص وهنا مقص”.
ثم كانت أغنية “فاهمينك عارفينك” من كلمات زين العابدين عبد الله، وغناء الثنائي بدير، لا توجد معلومة واضحة عن هذا الثنائي أو أعماله، ونفس الخلاف السابق على اللحن، بين عبد العظيم عبد الحق، وعبد العظيم محمد، ورغم صغر مدة الأغنية، وتداخل مشهد كامل لسعاد حسني ليقسم الأغنية لنصفين، إلا إنها علمت مع المشاهد، بكل ما فيها من حركة ورقص، وملابس الثنائي والكلام الخفيف، واللحن المتماشي مع الحركة والكلام.
لا أحد ينسى إن التوزيع الموسيقي لكل أغاني الفيلم، والموسيقى التصويرية من إبداع الموسيقار علي إسماعيل، ومع الأغنية الأولى للبطلة والثالثة في الفيلم وأغنية “أنا لسه صغيرة”، نستمع لسعاد حسني وهي في دور الطفلة، تغني من كلمات حسين السيد وألحان محمد الموجي، وهو أول لقاء فني يجمع بينها وبين الموجي، وتحدثت سعاد إنها استفادت وتعلمت الكثير من الموجي.
بداية من الكلمات المتماشية مع فكرة الفيلم، وخدمة قصة الفيلم، إلا إنها تصلح كأغنية منفصلة بذاتها، لحن الموجي الأغنية بشكل بسيط يلائم الشخصية والدور، ووزع علي إسماعيل العمل كأنك تشاهده بالفعل أمامك، مع بداية دخلة البيانو للأغنية، وبين المقاطع يلعب البيانو لترد عليه الكمان، ومع الكلام يسرع اللحن ويظهر الإيقاع بشكل واضح، أنت أمام أغنية متكاملة فنيًا وجماليًا، انقسمت الأغنية أيضًا كما حدث في الأغنية السابقة
لا أحد ينسى المشاهد الكوميدية في الفيلم، مثل ضرب سعاد حسني لرشدي أباظة بالقلم، أو أغلب مشاهد نور الدمرداش، وفقرة طبخ المسقعة، كلها مشاهد يحفظها الجمهور المحب لهذا العمل الخفيف والبسيط. شاركت نادية جندي في الفيلم في دور ممثلة معروفة، وبنفس اسمها “نادية”، وجاءت صورة سعاد حسني على أحد البوسترات في الشارع مع بداية الفيلم، مكان صورة أختها نجاة الصغيرة.
في حفلة التي أقيمت في شقة المخرج كمال (رشدي أباظة)، رقص الحضور ومن ضمنهم الطفلة سميحة (سعاد حسني) على أغنية Happy Wedding Day لفرقة البوب الأمريكية “The “Three Suns، والأغنية من الأغاني البوب المنتشرة في ذلك الوقت.
الجمهور كان منتظرا لهذا الفيلم، الذي ستغني فيه سعاد حسني، فهي عرفت كمغنية في الأساس في برامج الأطفال الإذاعية، وكان من المنتظر أن تنافس أختها في الغناء، ولكنها فضلت التمثيل، وبعدت عن الغناء أكثر بعد فشل فيلهما “هاء ٣” (١٩٦١)، مع رشدي أباظة وماهر العطار وطروب، وغنت فيه سعاد أغنية واحدة مع طروب، أغنية “إحنا التلاتة”، ولكن مع فشل الفيلم، ابتعدت سعاد عن الغناء، حتى عادت في هذا الفيلم.
“عندما تراها تحس بدافع قوي لأن تعقد ذراعك في ذراعها، ثم تنطلق بها على كورنيش النيل، تأكل السميط وتشتري الترمس وتملأ الدنيا حديثًا عن الحب والغرام وتوابعهما.. إنها سعاد حسني البنت الصغيرة الحلوة المسمسة.. هكذا كانت المقدمة في مجلة الشبكة في مواضعها تحت عنوان “سعاد حسني مطربة”
انفردت “الشبكة” بصور وحوار مع سعاد حسني، وهي تسجل الأغاني بصحبة الموجي وعلي إسماعيل والفرقة الماسية بقيادة المايسترو أحمد فؤاد حسن، وصرح الموجي أن سعاد تؤدي بإحساس وفهم، وصوتها دمه خفيف، وله طعم وطابع، وليس فيه تقليد لا من قريب ولا من بعيد لمطربة أخرى حتى ولا صوت نجاة الصغيرة، وستنجح كمطربة للسينما.
استعراض “صغيرة على الحب”، هو من أحلى الاستعراضات في تاريخ السينما المصرية، رغم بعد الموجي عن تلحين هذا النوع من الأغاني، إلا إنه أبدع في صنع لحن جميل، والتنقل بين المواقف والتحرك بسلاسة في النقلات الموسيقية، وبالطبع حسين السيد كتب كلاما يختصر فيه فكرة الفيلم بالكامل، ومن يركز مع توزيع الاستعراض يعلم تمامًا إنه علي إسماعيل، الذي وزع بعده بثلاث سنوات استعراض “قاضي البلاج” وهو لا يقل شهرة عن “صغيرة على الحب”.
اختلف الناس كثيرًا على المغني صاحب صوت الصياد، وساد اعتقاد أنه محمد الموجي، ولكن اتضح فيما بعد أنه حسني الموجي شقيق محمد الموجي، وغنى حسني مكان محمد العزبي في فرقة رضا، بحسب الملحن والموسيقار الراحل عمار الشريعي، وكانت الاستعراضات تصميم وتدريب مصمم الرقصات حسن خليل.
في بداية الثمانينات، قدم سمير غانم أحد أبطال الفيلم، حلقة من فوازير “فطوطة” عن الفيلم، وكان يقوم بدور رشدي أباظة، وقد قامت مهما أبو عوف بتقديم دور سعاد حسني.
كل ذلك أنت أمام فيلم كوميدي خفيف غنائي، نجحت فيه سعاد في كسر حاجز الخوف من الغناء في السينما، واستطاعت أن تثبت إنها ممثلة جيدة وموهبة وقادرة على تمثيل الأدوار المركبة.
2015نشر في موقع في الفن عام
You must be logged in to post a comment.