سمرا (سامية جمال): السواح أغلبهم أمريكان بيموتوا في اللون الخمري، أما الشقرا اللي زيك ما لهاش تأثير غير على الهنود بس.
لميا (صباح):يا حبيبتي ما فيش حد يفضل البلح الأمهات اللي وقته بقرشين عن التفاح الأمريكاني اللي وقته باتنين جنيه.
سمرا (سامية جمال): التفاح الأمريكاني في أمريكا مرطرط بيأكلوه للبهايم.
لميا (صباح): ده لما يغمق ويعطب.
أكرم (صلاح ذو الفقار): ليه كل هل ضجة؟!، أبو سمرا زعلان، لميا مزعلة أجمل عضو في عصابة خيّ عصمت، مزعلة قنية البراندياللي بتكفي الواحد بيصلها من بعيد حتى يسكر.
عصمت (رشدي أباظة): ده سوء تفاهم بسيط بين تأثير السمرا والشقرا على مخاليق الله
أكرم (صلاح ذو الفقار): أنا ما سمعت مقارنة أنا سمعت ردح…، بعده بيصير بناتكم مبارزة فنية على المسرح، سمرا عم تطعن لميا بخناجر الحركات وسهام الرقصات، ولميا بترد عليها بسيوف المغنى ومدافع الآهات.
ان هذا جزء من حوار فيلم “الرجل الثاني“ 1959 إخراج عز الدين ذو الفقار وقصة وسيناريو وحوار يوسف جوهر والمخرج، وبطولة المشاركين في الحوار السابق.
من الحوار السابق، وبالتحديد من جملة صلاح ذو الفقار “خناجر الحركات وسهام الرقصات وسيوف المغنى ومدافع الآهات”، تعلم أن هنا البداية وأن المشاهد القادمة تحمل ما هو بجمال الحوار وخفة روح أبطاله.
بعد عدة مشاهد لا تتجاوز العشر دقائق، يبدأ صناع الفيلم في تنفيذ جملة أكرم(صلاح ذو الفقار) المبارزة الفنية على المسرح بين لميا (صباح)، وسمرا (سامية)، وبالاشتراك مع آخرين لا يقل دور أحد منهم.
العمل الجماعي وورش العمل المستمرة كان هو شعار المبدعين آن ذاك، شرط نجاح وتميز العمل وبقائه حتى الآن محافظا على قيمته كعمل إبداعي مكتمل، لم يتآكل من آثر الرطوبة ولا داهمته الشيخوخة رغم مرور ما يقارب من 55 سنة على صناعته.
بداية من الحوار والتمهيد لاستعراض” أه من عينه” في الحوار الرئيسي للفيلم، ومنافسة صباح وسامية في الفيلم على قلب الرجل الثاني “رشدي أباظة”،وربما لم تكن المنافسة في الفيلم فقط. وكان العمل الجماعي هو كلمة السر.
فكتب فتحي قورة كلام الاستعراض وهو يعلم أن كلامه سيتم تقييمه ومقارنته بمرونة سامية جمال وخفة روحها وحلاوة ثناياها، يكتب وهو يعلم أبعاد الفيلم، أبعاد ما وراء القصة الرئيسية، فتحي قورة هو صاحب الرصيد الأكبر في كتابة الاستعراضات والأغاني التي تخدم الحس الجمالي للعمل، ومع الرقص سنجد لفتحي أعمال كثيرة جدا.
يركز فتحي على قصة حب لميا وسمرا للرجل الثاني عصمت، ويكتب عن هذه الحالة، ويعلم فتحي أن الكلام يكتب ليلحنه رفيق دربه وصديقه المجنون والمبهج دائما “منير مراد” الرائد في تلحين الاستعراضات والمبدع في دمج المزيكا الشرقية والغريبة معا، ولن تشعر إلا بالبهجة الخالصة وأنت تسمع ألحانه، منير مراد من كان يرقص بالست ساعات بلا كلل أو تعب، لا يسعنا الوقت هنا للحديث عن فتحي قورة أو منير مراد بشكل عام، ويعمل منير مراد هنا تحت مظلة معلمه اليوناني وموزع الأغنية وصاحب الموسيقى التصورية للفيلم “أندريا رايدر”.
يتفق الجميع على أن البداية وكأن الشمس تشرق، تبدأ الموسيقى مع منير مراد بمصاحبة أندريا في بداية استعراض تفتحه الكمنجات وكأنه دعوة لقول نبأ عظيم، يأتي بعده صوت الناي ليعبر عن الصباح بكامل هيئته.
كان الكادر ظلام دامس ليدخل النور رويدا رويدا، وتظهر صباح وكأنها مستيقظة للتو واللحظة وفي يدها حذائها، تبدأ بعضها الطبول بمصاحبة الكورس في اظهار الصورة كاملة، ويصور عز الدين ذو الفقار المشهد بعبقرية ويظهر أثر الشمس فتجد ظل صباح مرسوما ورائها.
رقة وأنوثة صوت صباح ومع آلات النفخ القاطعة بين كل جملة والأخرى، كأنها تكمل أحداث الفيلم وتستمر في إغواء رشدي أباظة.
“آه من عينه بصة عينه
كل جميل في الدنيا عجبها
قلبي اتحير بينها وبينه
واخدة نصيب الناس ونصيبها”
يستمر المقطع الأول وتنقل الكاميرا ليظهر وجه عصمت وأكرم من نافذة صغيرة وتأكيدا على أن الاستعراض ضمن الاحداث الدرامية لا مساحة لزيادة الوقت أو اقحامها عنوة في وسط أحداث الفيلم.
يظهر عمل “محمود رضا“ في مجموعات الرقص وطريقة أدائها ومدى توافقها مع الجو العام للاستعراض،وينتهي مقطع صباح بالكورس كما بدأ، تنتقل الكاميرا والموسيقى للنايات وكأنه صباح أخر في قارة أخرى، قارة “سمرا”، فكانت الموسيقى الغربية وآلات النفخ لتعبر عن ظهور سامية جمال، ورقصها الاستعراضي في شكل رد بسيط على دلع وغواية منافستها.
فترة راحة لفتحي قورة ليعيد ويكتب المقطع الثاني لصباح، وينتقل منير للجو الشرقي ويترك صباح تشدو في الفضاء كأنها تناجي الحبيب، فتظهر من شباك وقد ارتدت فستانا جديدا.
ينهي منير المقطع بالرجوع للمقطع الرئيسي والكورس والكمنجات، لا ينسى عز الدين ذو الفقار نقل الكاميرا على الجمهور ليؤكد أن كل ما أمام الكاميرا لصالح دراما الفيلم، يعود بعدها كما كان مع صباح وتتسع الرؤية وتشمل المسرح كله.
“أنا لو أحبه أحبه لوحده
عمر القلب ماساع اتنين
بس عنيه بتنسى وعده
ويروح مني في غمضة عين”
تتسع الرؤية لتظهر سامية جمال وكأنها تخرج من قوقعة، وتصور المزيكا القريبة من جو القبائل الأفريقية مستخدما الطبول وآلات النفخ كإعلان عن وقت القرابين وتجلي الإله، تظهر سامية في بداية المقطع وهي محاطة بالرجال في شكل لوحة فنية وتنافس خفي بين أناقة صباح وسامية، ليطاردها الرجال في شكل استعراضي محكم التصميم والتنفيذ تحت اشراف محمود رضا، مازالت سامية في وصلة الرقص التعبيري والاستعراضي، تتحرك بخفة الفراش وبهجة النسيم.
تشرق صباح بفستانها الثالث والأخير وتختفي سامية وسط ظلام الإضاءة، لتبدأ في رقص حركي بسيط وعلى استحياء كبنت في عرس، تصل الموسيقى لأعلاها مع نهاية رقصة سامية لتدخل صباح وتكمل العلو بصوتها وكأنه صراخ جميل.
“لا بيرتاح و لابير
يحني..ومسهرني بقاله ليالي”
ولأول مرة تظهر صباح وسامية في كادر واحد في الاستعراض، يوزع المخرج الإضاءة، فتغني صباح فتختفي سامية، ترقص سامية وتختفي صباح حتى يظهر الإثنان للمرة الأولى تحت إضاءة كاملة.
“يوم يداويني ويوم يجرحني..ومحيرني روحي تعالي”
بعد هذا المقطع والتنقل بين صباح وسامية وبالمزيكا في الخلفية تنخفض مع صوت صباح وتثور مع حركات سامية السريعة، ربما كان التنقل بين الظلام والنور بين المزيكا الشرقي والغربي بين سامية وصباح بين الليل والنهار بين الرقة والجرأة، هو صورة رمزية لتناقض الشخص الواحد، فداخل كل امراة روح سامية المتمردة ورقة وبراءة صباح.
وربما تأكيدا لفكرة السكيزوفرينيا في التناقض بين بطلتي الاستعراض، ستجد في نهاية العرض سامية ترقص حتى تصل لصباح ليرحلا معا وكأن كل شخصية تدمج مع الأخرى، لتصبح شخصية واحدة وتختفي تدريجيا مع الظلام الدامس للكادر.
ربما كان الحديث هنا عن رقصة سامية جمال، ولكن أردت أن أوضح أن رقصة سامية كي تظهر على الشاشة اشترك في تنفيذها فريق عمل متكامل وعمل جماعي مستمر من اللحظة الأولى حتى النهاية، ربما ارتبطت رقصات كثيرة في عقولنا بمشاهد سينمائية، من منا يتذكر فيلم “تمر حنة“1957 وصوت “فايزة أحمد” ولا يتذكر رشاقة وبهجة “نعيمة عاكف”، من منا لا يتذكر رقصة “تحية كاريوكا” في فيلم “شباب امراة” 19566 على صوت “محمد رشدي” وغيرها الكثير والكثير.
ربما كان هذا الاستعراض وهذا المقال هو ناتج مقارنة بين تأثير السمرا والشقرا على مخاليق الله في فيلم الرجل الثاني، وفي رحاب الأعمال الفنية العظيمة يصعب تحديد دور الرجل الأول، من صاحب الفضل في خروج هذا العمل. من له نصيب الأكبر؟!، بكل تأكيد لا أحد، تفرق دمه بين الكلام واللحن والتوزيع والإخراج والإضاءة والديكور وتصميم الرقصات، المؤكد إننا أمام بهجة وجمال خالص لوجه الفن لذا كتب له الخلود حتى الآن.
نشر في موقع قل
You must be logged in to post a comment.